مقال: طوفان الأمة وطوفان الأقصى
بسم الله الرحمن الرحيم
طوفان الأمة وطوفان الأقصى
إن أحداث طوفان الأقصى المبارك الذي هز أركان الكفر كله مركزه رأسه وذيله، وبات اليوم الأكثر خطورة والأكثر سرعة واتساعاً في التطور نحو الانفلات العالمي والإقليمي والمحلي برغم ما نشاهده اليوم من الإبادة والمخاض العسير الذي يحدث هناك، فإن هذا الحدث المبارك جعل الكفر ينقلب على بعض ثوابته ومنطلقاته لما رأى من قوة العقيدة والتضحية والكفاح والإقدام عند المقاومة وحاضنتها الشعبية.
وقد سبق طوفان الأقصى طوفان الأمة في أفغانستان والعراق والشام والربيع العربي وعانت الأمة ما عانت، لكنها مرحلة بعد سبات عميق، صحيح أن الأمة قد تكون حركتها بطيئة لكنها لا تهزم خاصة إن فرضت المعركة عليها، لذا جمع الكفر كيده ثم جاء صفاً صفاً ليثبت أركان كيان هزيل هزه من جذوره طوفان مبارك، فبات موضع شك في وجوده ودوره، فقدم له الغرب كل أسباب الحياة وسمح له بدور كبير في المنطقة محاولاً إثبات وجوده ودوره.
إن طوفان الأمة أدى إلى تصدع المنظومة الدولية وليست أوكرانيا هي السبب ولا الصراع مع روسيا والصين، لأنه صراع استراتيجي محتمل يقترب ويبتعد ويبقى ضمن صراع على الدور والمكانة وليس على الوجود، لكن طوفان الأمة يحمل مبدأ وصراعا حضاري واستراتيجي قادم لا محالة، فيقدمه الغرب على رأس أولوياته لأنه لأمة تحمل كل مقومات القيادة والريادة وفي منطقة جيواستراتيجية بكل ما تحمل من معنى.
هذا الطوفان من الأمة أدى إلى طوفان آخر خطير استهدف ذيل الغرب وكشف ضعفه وعواره، فأوكل له الغرب مهمة محاربة الإسلام وطوفان الأمة في كل مكان، وجاءت إدارة ترامب لتبالغ في اتساع رقعة الوكالة لكيان يـهود وتمده بكل أنواع السلاح والعتاد ولا غرابة في هذا فهو صراع مع الجميع.
وكانت من نتيجة هذا الصراع المبارك ليس فقط عدم استقرار الغرب في منطقتنا بل أدى إلى عودة الأمة إلى حقيقة الصراع بين إسلام وكفر وحق وباطل وهذا يقتضي اجتماع كل الأمة ضد كل الكفر.
إن هذا التدافع الحضاري والذي تكتبه الأمة اليوم بالدم والتضحيات بواعثه حضارية كونية لمولود مبدئي كوني، لن يكون مولده سهلا ولا مخاضه عادياً فالتضحيات بحجم الهدف والغاية، هذا التدافع ندرك مساراته وحركته من كتاب ربنا والذي أكد لنا أن عملية الانبعاث والإحياء للأمة تتطلب مخاضا عسيرا جدا تمعس فيه الأمة معساً وتتقاذفها الرياح والأمواج العاتية، فالمسالة ليست ولادة فرد بل كيان مبدئي كوني عالمي.
إن من جميل صنع الله جلت حكمته وتعالت قدرته أن سبق التدافع الدولي بتدافع داخلي كمرحلة ضرورية ومتطلب إلزامي في هذه المرحلة ليميز الله الخبيث من الطيب ويفضح المنافقين ويكشف أدوات مخطط الكفر في جسدنا الإسلامي، بل وأدعياء المشروع وحركات ظاهرها الرحمة وباطنها الخبث والعمالة والعداء، ليعالج هذا الجسد نفسه والذي أرهقته تلك الأمراض والجراثيم والفيروسات الكامنة والمزمنة فيه، وتلك السموم التي بثت في جسدنا فألزمته الفراش والنوم العميق وقلة الإحساس وانعدام الحركة فيها كأنها جسد ميت، لكنها تململت برغم الجراح والسموم والسكاكين التي غرزت في جسدها، وتحرك الغرب مقدماً لهذا الصراع على غيره فترك مسالة احتواء الصين والحرب في أوكرانيا لمسالة الصراع الوجودي والمبدئي.
إن الدولة الاسلامية الأولى قد قامت ونشأت في ظروف دولية معقدة جدا، ودب الصراع بين قوى الكفر في ظل ضعف حركة التغيير وقواها وما كانت تعانيه، لكن عين الله ترعاها فهي تستنير بنور ربها وتجدف بقاربها لتصل إلى الغاية التي نطق بها ربعي بن عامر رضي الله عنه: إن اللّه ابتعثنا لنخرج مَنْ شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللّه، ومِنْ ضيق الدنيا إلى سَعَتها، ومن جَور الأديان إلى عَدْل الإِسلام، فأرْسلنا بدينه إلى خلقه لندعوَهم إليه، فمن قَبِل ذلك قبلنا منه، ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً، حتى نفضي إلى موعود اللّه. قالوا: وما موعود اللّه؟ قال: الجنّة لمن مات على قتال من أبى، والظّفَر لمن بقِي.
ان العالم الإسلامي اليوم يمر بمرحلة دقيقة وخطيرة ولن أبالغ إن قلت أنها أصعب وأدق المراحل الحالية لا التاريخية، فقد جمع الكفر كيده كله وأعلنها حرب بلا عقل ولا تفكير بل حرب همجية بربرية قذرة، لكنه لم يدرك أنه أعاد الأمة للصراع الحضاري، والتدافع الحضاري، وهذا والله نعمة من نعم الله علينا، فالمسالة اليوم إسلام وكفر، حق وباطل، والأمة أمام صفين صف إيمان لا نفاق فيه وصف كفر لا إسلام فيه.
في هذه المرحلة من التدافع يعلو صوت النفاق والكفر ولا شك كما حدثنا رب العزةً، فقد ذكر علماء التفسير أنه في وقت الشدائد حيث واجه المسلمون التحديات الوجودية علا صوت النفاق بكل وقاحة (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) أي تضليل وخداع وكذب، وكان للنفاق قادته في صف المسلمين، قالوا كيف يعدنا بكنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحدنا أن يتبرز!؟
ولكن أهل الإيمان والثبات والعقيدة والعمل -جعلنا الله منهم – قالوا، قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) برغم الموت والقتل والدمار والتضحيات فلم يقولوا لماذا وكيف بل صدق الوعد وصدق المخبر لان الله بين أن النصر تحفه التضحيات ويقتضي الثبات والصبر، ولم يحرك الكفر قواه إلا لأمة روحها وسر حياتها كتاب ربنا وسنة رسولنا ﷺ.
ويستحضرني هنا حديث الخباب رضي الله عنه: “قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ”.
كان خباب بن الأرت يعذب في مكة لرفضه ترك الإسلام، وكانوا يضعون الحديد المُحمّى على ظهره، وعندما سأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن تعذيبه، كشف عن ظهره ورآه عمر بهذه الحالة، فقال: “ما رأيت كاليوم” أي ما رأيت مثله في شدة التعذيب، فقال خباب: “أوقدوا لي نارًا، فما أطفأها إلا ودك ظهري”.
وعلماء التفسير يذكرون هذه الآية: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا …….) وما بعدها من الآيات في سورة الأحزاب أنها جاءت من بشارات النصر حيث قال تعالى: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) لم ينالوا خيرا في تلك الحادثة، ولن ينالوا خيرا بإذن الله في معاركهم مع المسلمين.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
أ. حسن حمدان