حزب التحرير ولاية الأردن

مقال: الضمان الاجتماعي وسياسية النظام في الأردن

بسم الله الرحمن الرحيم

مقال: الضمان الاجتماعي وسياسية النظام في الأردن

 

    ذكرت مؤسسة الضمان الاجتماعي على موقعها الإلكتروني مفهوم الضمان الاجتماعي على النحو التالي:

الضمان الاجتماعي هو مجموعة من التأمينات الاجتماعية يحدد كل تأمين منها حاجة أو حاجات المواطن ويستجيب لها في إطار تشريع يبين الالتزامات والحقوق ويرسم معادلة التوازن بينهما.

    وعليه؛ فإن الضمان الاجتماعي هو نظام تأميني تكافلي عام يهدف لحماية الأشخاص اجتماعياً واقتصادياً، ويحدد القانون مزاياه ومصادر تمويله، وتقوم الحكومة عبر مؤسسات أو هيئات تنشئها بمقتضى هذا النظام لأداء هذه المزايا في حال تحقق أحد الأخطار الاجتماعية التي يتعرض لها الأشخاص، مثل؛ الشيخوخة، والعجز، والوفاة، وإصابات العمل، والتعطل عن العمل، وغيرها، وتموّل هذه المزايا من اشتراكات يتحملها الأشخاص المؤمن عليهم وأصحاب العمل. ويهتم هذا النظام بتحقيق اعتبارات الكفاية الاجتماعية. (مؤسسة الضمان الاجتماعي).

يهدف الضمان الاجتماعي حسب الكلام أعلاه إلى حماية العمال من خلال اقتطاعات شهرية إلزامية لتعود على العمال براتب شهري مقدر حسب اشتراطات معلومة عندهم، فهل يحقق الضمان هذّه الأهداف في ظل ممارسات النظام؟ وأثر هذا على صندوق ادخار العمال؟

    ذكرت قناة المملكة بتاريخ 21/3/2025: (ارتفع إجمالي الدين العام للأردن خلال الشهر الأول من العام الحالي بنسبة 0.8% ليصل إلى 44,509 مليار دينار، ووفقا لبيانات وزارة المالية، التي اطلعت عليها “المملكة”، فإن نسبة إجمالي الدين العام للناتج المحلي الإجمالي ارتفعت إلى 117.2% في كانون الثاني الماضي مقارنة مع 116.8% حتى نهاية عام 2024. وأشارت البيانات إلى أن الدين المترتب على الحكومة لصالح صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي ارتفع بنسبة 1.3% في الشهر الأول من 2025 مقارنة مع نهاية العام الماضي ليصل إلى 10.11 مليار دينار. (قناة المملكة)

بمعنى أدق قامت الدولة من خلال المديونية التي ترتفع بشكل كبير بالتركيز على الدين الداخلي، واستحوذت على أهم وأخطر المؤسسات الداخلية وهو صندوق الضمان، حيث (ووفقا لبيانات وزارة المالية فإن الدين المترتب على الحكومة لصالح صندوق استثمار أموال الضمان ارتفع إلى 10.219 مليار دينار حتى نهاية شهر شباط مقارنة مع 10.110 مليار دينار حتى نهاية شهر كانون الثاني من العام الحالي. عمون) أي أن أكثر من 57% من أموال الصندوق مستثمرة في أدوات الدين الحكومي.

    قد تلجأ الدول عادة إلى تنويع مصادر المديونية سواء المصادر الخارجية مثل المؤسسات الدولية أو الدول أو المصادر الداخلية كالشركات والضمان بحجة تنويع مصادر الدين ونسبة الربا وإطالة أمد الديون بدون فائدة (ربا) عالية ولا شروط سياسية ولكن الحقيقة أن اقتراض الحكومة من المصادر الداخلية لجأت اليه لأهداف خطيرة جدا منها وأهمها:

  • التلاعب بنسبة الدين إلى الدخل القومي حيث لا تعتبر الدولة أموال الضمان قروضاً، وهذا التلاعب مقصود بالتنسيق مع صندوق النقد الذي أقر الحكومة على هذا الأمر.
  • حاجة الحكومة إلى مصادر تمويل منخفضة الكلفة وطويلة الأمد وبدون مطالبات وهيكلة ديون وشروط.
  • تحويل أموال الضمان إلى مصادر الدخل الحكومي طالما أنها ليست قروضاً.

وقد أدت سياسية النظام من خلال الاستحواذ على أموال الضمان إلى:

  • انخفاض العائد الحقيقي.
  • وتآكل القيمة الفعلية للأصول.
  • الخوف من المستقبل وتراجع الثقة العامة بدور الصندوق.

وفي حال حدوث أزمات قوية قد يضطر الصندوق إلى تجميد أصوله وعدم قدرته على تسديد رواتب المتقاعدين، وملامح هذا الأمر ظاهرة من القوانين التي تقوم بها الحكومة من خلال رفع سن التقاعد وتعقيدات التقاعد المبكر والشروط التعجيزية والمجرمة ومنع العمل إلا بشروط ظالمة والبحث عن أي فرصة للتهرب من إصابات العمل وتخفيف الشروط عن تقاعد الشيخوخة ورفع نسبة الاشتراكات….

    دوامة من التشريعات الظالمة ضد العمال وصندوق ادخاراتهم، فما يقوم به النظام من خلال الاستحواذ على أموال الضمان هل هو تحقيق للأمان الاجتماعي والاقتصادي وحماية للناس بعد تقاعدهم وعجزهم عن العمل في ظل بطالة مرتفعة وتضخم كبير وانعدام القدرة الشرائية لهم؟ فلم يكتف النظام من بيع الملكية العامة والاقتراض من دول الغرب ووصفات صندوق النقد والصناديق الدولية وجدولة الديون بحيث تراكمت على الناس مديونية فلكية، لا لإقامة مشروعات وشركات وبنية تحتية، بل من خلال المشاريع الربوية والمشاريع التي أخفقت ليتحمل الضمان الخسارة.

 

    وختاماً: إن فكرة الضمان من الترقيعات الرأسمالية والتي هي محاولة لتعديل أو إصلاح النظام الرأسمالي، سواء من خلال إجراءات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، بهدف معالجة بعض عيوبه أو إيجاد حلول لمشكلات معينة يسببها النظام.

وفكرة الضمان مخالفة لمبدأ الإسلام في رعايته للناس، فالدولة في الإسلام واجب عليها توفير الحاجات الأساسية للأمة، بل من أهم واجبات الحاكم في الإسلام هو توفير الحاجات الأساسية من المأكل والملبس والمسكن لكل فرد من أفراد الرعية، مسلمين وغير مسلمين، مع توفير الأمن والتطبيب والتعليم مجانا للجميع. وقد أوجب الإسلام على الحاكم توفيرها للرعية بغض النظر عن عمره وعمله بل وعقيدته فلو كان ذمياً وجب على الدولة أن تتكفل به وقصة عمر مع اليهودي المتسول معلومة وصرف له راتباً من بيت المال، قال رسول ﷺ: فيما أخرجه البخاري: “أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته” وفي رواية الإمام أحمد: “من ترك مالاً فلأهله ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليَّ وعليّ”.

    وختاماً: ليس معنى مخالفة فكرة الضمان لمبدأ الإسلام هو عدم محاسبة الدولة على سرقتها لأموال الناس، والذهاب بهم إلى المجهول، في ظل الضنك والقهر الذي تعيشه الأمة من هذه الأنظمة بل يجب محاسبتها والعمل على إزالتها.

لقد حدثت تجارب مماثلة لانهيار صندوق الضمان كما في لبنان “وعندما تخلفت الحكومة اللبنانية عن سداد ديونها في عام 2020 تحولت تلك الأصول الى عبء مجمّد مما أفقد المتقاعدين حقوقهم الفعلية وتسبب بانهيار ثقة المواطنين بالنظام التقاعدي بأكمله”.

 

كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن

الأستاذ: عبد الحكيم عبد الله