رداً على مغالطات د. محمد أبو رمان في لقائه مع جوكاست
كتبه: أبو المعتز بالله الأشقر
بسم الله الرحمن الرحيم
مقال
رداً على مغالطات د. محمد أبو رمان في لقائه مع جوكاست
في مقابلة مع جوكاست والتي استضافت الوزير السابق والباحث السياسي والخبير في الحركات الإسلامية كما يحلو للإعلام أن يسميه د. محمد أبو رمان تحدث في المقابلة عن الإسلاميين وعن الجماعات الإسلامية التي تعمل على الساحة الأردنية، وتناول في مقابلته حزب التحرير، وكان جل ما تحدث به عن الحزب لا ينمّي عن عقلية باحث منصف فضلا عن كونه خبيرا، بل كان يتحدث عن الحزب بمغالطات وكأنه حديث العوام وسأفترض حسن النية عنده وأبين الأخطاء التي وقع فيها:
أولا: لما جاء على ذكر طلب النـصرة ذكره على وجه الاستهزاء فقد أضحكه طلب النـصرة، الذي هو جزء من طريقة النبي ﷺ للوصول الى الحكم، فالنبي ﷺ طلب النـصرة بضع عشرة مرة، ولم يَحِد عنها مع أن العقل يقضي أن التجربة اذا أخفق صاحبها بالمعطيات نفسها فإنه لا يكررها، ولا يكون ذلك إلا إذا قطع بصحة المصدر، ولو كان الأمر له ﷺ لفكر في طريقة أخرى بالوصول للحكم، فمثلا كان باستطاعته أن يجمع صحابته ويسلحهم ويدربهم وهم من هم في الرجولة والعزة والإيمان، ثم يميل على قريش والقبائل في مكة، وبعدها قد لا يحتاج لطلب النـصرة من الطائف أو غيرها وسيدخلها فاتحا، أو كان بإمكانه أن يتصالح هو وقريش ويتفقان على حل وسط يعبدون فيه إلهه عاما ويعبد إلههم عاما، ويضعون دستورا توافقيا يحفظوا فيه حقوق الأقليات والمرأة، أو كان بإمكانه لو أن الأمر له أن يصبح وزيرا عند أبي لهب أو أبي جهل وقد عرضوا عليه ذلك حتى لا يقطعون أمرا دونه فيحاول التغيير من الداخل، لكنه لم يفعل أيا من ذلك بل داوم على طلبه النـصرة من أهل القوة والمنعة بالرغم من كل ما لاقاه من عنت وتعب وايذاء فكان كل ذلك قرينة ومصداقا لقوله سبحانه: (قل إنما أنذركم بالوحي)، ومصداقا لقوله تعالى: (ليس لك من الأمر شيء) ولكننا مع أبي رمان وأمثاله نواجه نرجسية تريد جعل عقولها فوق التشريع، ولو أن الرجل الخبير والباحث رد الأمر إلى أهل الحرفة وأرباب الصنعة، لعلم أن مداومة النبي ﷺ على أمر مع ما فيه من ضرر عليه قرينة على أن ذاك الفعل واجب.
ثانيا: إن حزب التحرير لم يبايع ما يسمى إعلاميا (داعـش) لأنها سبقته لإعلان الخـلافة، وإنما هذا تسطيح لا يليق بمثله على مثل الحزب، ورأي الحزب في ذلك مبسوط في كتبه ونشراته، كان يسع الباحث الدكتور المتخصص أن يبين لمن يستمع له ويشاهده لماذا لم يبايع الحزب (داعـشا) على خلافتها المدعاة، وقد بين ذلك وفصّله في نشرة وجواب أصدرهما الحزب في حينه وبين أن خلافة (داعـش) خلافة لغو لم تستوف شروط الخـلافة والتي أساسها البيعة ممن هم أهل لها، وذكر في ذلك شروطا حبذا لو راجعها الباحث قبل أن يورط نفسه بهذا المستوى من الكلام، فالبيعة لا تكون إلا من أهل البلد أصحاب السلطان وأهل القوة والمنعة وبعد أن يكون في المكان الذي يصلح أن يكون نقطة ارتكاز رأي عام منبثق عن وعي عام فضلا عن كون المكان الذي تكون فيه الخـلافة يصلح بحسب ما يحيط به، وإذا أضفنا لذلك كله الوعي السياسي الذي أدرك به الحزب هذه الخـلافة المزعومة والمشبوهة علمنا لماذا لم يبايع الحزب تنظـيم الدولة وهذه بعض الأسباب التي كان يجب على خبير الحركات والباحث السياسي أن يبينها للمشاهد احتراما له.
ثالثاً: ليس من الإنصاف بث رسالة ضمنية غير مطلوبة من أي باحث خبير في مقابلة صحفية وإلا فقد مصداقية وصفه البحثي، بل ويبين الجهة التي يمثلها الباحث، وذلك عند البدء بقوله أن حزب التحرير محظور أردنياً وعندما يصف مجلة الوعي بأنها ممنوعة، لأن الحزب والمجلة ينتشران في أكثر من أربعين دولة، ويحظر ممارساته بعض هذه الدول، فهو بذلك يمرر هذه المعلومة الرخيصة كنوع من الترهيب للعموم، ولو أراد الإنصاف بعد ذلك لبين أن الحزب محظور لأنه هو الذي يرفض الترخيص لأنه لا يعمل تحت مظلة النظام ولا الدستور الذي يعمل الحزب على تغييره كونه دستورا علمانيا، ويتناقض مع دعوته لإقامة دولة الخـلافة.
رابعاً: وجاء أيضا على لسان الباحث والخبير أبي رمان في المقابلة أن الحزب ما زال يقول أن بريطانيا تسيطر على أمريكا وتدير العالم، ولا أدري من الذي أملى عليه ما يقوله؛ فالحزب قد كتب مئات النشرات وله كتب مثل نظرات ومفاهيم سياسية وله كتاب أفكار سياسية وكلها قد بين فيها أن بريطانيا تراجعت عن مستواها الدولي وأنه لم يبق في العالم دولة عظمى إلا أمريكا وأن هذه الدول بريطانيا ومعها كل أوروبا لا تقوى على مقاومة المشاريع التي تفرضها أمريكا في المنطقة ومع ذلك فقد سمى الحزب بريطانيا وروسيا والصين دولا كبرى لأن الصراع بينها وبين أمريكا لم ينقطع والشواهد أكبر من أن تخطئها عين البحث والإنصاف فهو قول خاطئ لا ينم عن متابعة سياسية.
خامساً: من التضليل الذي ذكره الدكتور الباحث، أن الحزب لا يؤمن بالديمقراطية، ولكنه شارك في الانتخابات النيابية عام 1956، فهذا جانب فيه الصواب من ناحيتين، أن الحزب شارك بالانتخابات فقط لإبداء الرأي عن طريق نائبه وليس للتشريع، والثاني أنه يزج برأيه في أن المشاركة بالانتخابات النيابية هي الديمقراطية، وهو يعلم أن حزب التحرير لا يؤمن بالديمقراطية من حيث كونها تشريع الناس وليست حكم الله وهي بذلك ليست آلية الانتخابات بحد ذاتها تشترك فيها كل الأيديولوجيات.
سادساً: بدا التناقض واضحا في كلام أبو رمان بقوله في المقابلة: ” الغريب أنه في أعداد كبيرة (للحزب) وما زال هناك ناشطين وفاعلين في أعداد كبيرة، رغم أنه أنت بالنسبة لك قد يبدو أنه هذا الاتجاه (الخـلافة) ليس له قوة فكرية أو سياسية”، فهنا يحاول أن يقحم رأيه من ناحية تقليل شأن الاتجاه الفكري السياسي للحزب وهو استئناف الحياة الإسلامية بإقامة الدولة الإسلامية، كبديل حي وعملي بعد سقوط المشاريع القومية والوطنية المتخاذلة عن نصرة الأمة، ويتناقض مع قوله: أنه له أعداد كبيرة، وما هذا التعبير إلا تماهياً مع التوجهات الاستخباراتية السياسية للغرب من ناحية أخرى، في الوقت المفترض فيه أن يقف فيه الباحث الى جانب قضايا أمته ويحث على التوجيه الفكري والسياسي للناس.
سابعاً: أما بالنسبة لفكرة ما طرحه الباحث عن أن الحزب سيمكث 13 عاما تماهيا مع الفترة المكية قبل إقامة الرسول ﷺ للدولة الإسلامية، ثم قوله أنهم أولوا ذلك في مرحلة لاحقة، وللبيان فإن الحزب حين بين هذه الفترة ربطها في حال تفاعل المجتمع في الوضع الطبيعي تكون هذه الفترة كافية لإقامة الدولة، ولكن حين لا يكون تفاعل بالشكل الطبيعي لأسباب تتعلق بالتضييق عليه ومواجهة حملة الدعوة بالسجن والاعتقال والتعذيب من قبل الأجهزة القمعية المحلية والدولية، لعل الأمر يحتاج لمزيد من الوقت تتوافر فيه مقومات الدولة، كونها دولة تحاول منع إقامتها كل قوى الشر في العالم.
ثامناً: إن حزب التحرير قد تجذرت فكرته التي عمل لها منذ سبعة عقود في الأمة، والأمة اليوم تتحدث بالخـلافة نظاما سياسيا وحيدا يخرجها مما هي فيه وكل الأنظمة والمفاهيم والأفكار التي نافست فكرة الخـلافة يوماً، ظهر زيفها وفشلها وكذبها ولفظتها الشعوب، فأين القومية ورجالها؟ وأين الوطنية ومنظروها؟ بل وأين من تسموا بالإسلام وهم يطبقون العلمانية؟ وأخيراً أين الرأسمالية، والديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة؟ فها هو العالم اليوم تحكمه عـصابات وشركات وما الدول اليوم إلا حامية لهذه العـصابات والشركات، فلم يبق أيها الباحث والخبير اليوم إلا الخـلافة فقد أصبحت حاجة عضوية مثلها مثل الطعام والهواء وإلا فإن العالم سيتردى إلى واد سحيق، فالباحث والخبير هو الذي يفكر على مستوى الأمة وتطلعاتها ويخرج من قوقعة الوطنية والقومية، فالأمة الإسلامية أمة واحدة مشاكلها واحدة وحلولها واحدة والرقم الوطني لا يرقى بصاحبه إلى جعله مفكرا وباحثا.
إن الدعوة إلى الخـلافة شرف لكل مسلم يؤمن بأحاديث الرسول ﷺ التي تؤكد أن أمر سياسة الدنيا، وحفظ الدين وحمله رسالة هدى ونور إلى العالمين لا تقوم به إلا الخـلافة، وهي وعد الله، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾، وهي بشرى حبيبنا المصطفى ﷺ القائل: “… ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ“.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
الأستاذ أبو المعتز بالله الأشقر