مقال: الملأ السياسي بين تزيين الباطل والصد عن الحق ومآلهم
الملأ السياسي بين تزيين الباطل والصد عن الحق ومآلهم
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾.
قال صاحب الظلال (رحمه الله): “إنه مشهد التآمر والتناجي بالإثم والتحريض، بعد الهزيمة والخذلان في معركة الإيمان والطغيان. مشهد الملأ من قوم فرعون يَكبُر عليهم أن يذهب موسى ناجيًا والذين آمنوا معه – وما آمن له إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، كما جاء في موضع آخر من القرآن – فإذا الملأ يتناجون بالشر والإثم، وهم يهيجون فرعون على موسى ومن معه؛ ويخوفونه عاقبة التهاون في أمرهم: من ضياع الهيبة والسلطان؛ باستشراء العقيدة الجديدة، في ربوبية الله للعالمين. فإذا هو هائج مائج، مهدد متوعد، مستعزٌّ بالقوة الغاشمة التي بين يديه، وبالسلطان المادي الذي يرتكن إليه! (قال: سنقتل أبناءهم، ونستحيي نساءهم، وإنا فوقهم قاهرون)”.
إن الحاكم الطاغي لا يحكم بلدًا بمفرده، بل لا بد له من أعوان وأدوات للحكم وطبقة سياسية معه تشاركه أعباء الحكم، لا صنع القرار -وإن كان من الممكن لهم صنع القرار والمشاركة فيه- لكن طبيعة الحاكم المستبد برأيه والطاغي تحتاج إلى طبقة سياسية فاسدة مثله تزيّن له أعماله وفساده، وتشاركه ظلمه وقهره للشعوب، ونهب الأموال، واستباحة الدماء، وتعذيب الأحرار، وتضليل الشعوب.
فالحاكم يحتاج إلى أمرين في الحكم، هما:
- أعوان وبطانة ووسط سياسي: وهم الخواص المقربون الذين يستشيرهم الحاكم، ويستعين بهم على إدارة الدولة وشؤون الحكم، وقد شُبِّهت ببطانة الثوب لقربها من الجسد ولأنها مما يَلِيه.
- أدوات وأجهزة قمعية لتنفيذ طغيانه وظلمه: وقد جمعهم الله تعالى بقوله: ﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِئِينَ﴾ حيث هامان يمثل الوسط السياسي، والجنود هم الأدوات.
وهذان الركنان يستند إليهما الحاكم، ويُقرِّبهم منه جدًّا، ويقضي لهم بعض المصالح والمنافع؛ لأن منظومة الحكم قائمة على فكرة فاسدة وأشخاص فاسدين، فالولاء لشخص الحاكم مربوط بالمصلحة منه، وهو يعلم علم اليقين أن وسطه لولا مصالحهم لانقلبوا عليه.
وقد بيّن لنا رسول الله ﷺ في الحديث: عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعًا: “ما بعث الله من نبي ولا اسْتَخْلَفَ من خليفة إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتَحُضُّهُ عليه، وبطانة تأمره بالشر وتَحُضُّهُ عليه، والمعصوم من عصم الله”. وفي حديث آخر: “إذا أرادَ اللَّهُ بالأميرِ خيرًا جعلَ لهُ وزيرَ صدقٍ إن نسيَ ذكَّرَهُ وإن ذكرَ أعانَهُ. وإذا أرادَ بهِ غيرَ ذلكَ جعلَ لهُ وزيرَ سَوءٍ إن نسيَ لم يذكِّرهُ وإن ذكَّرهُ لم يُعنهُ”.
والوسط السياسي اليوم هم بطانة السوء للحاكم تأمره بالسوء وتحضه على الحرام والظلم والقهر والاستبداد، وبقتل أهل الحق وسجنهم، ومحاربة دعوة الحق. فبطانة فرعون لم يَرُقْ لها عدم تعرض فرعون لموسى عليه السلام ومن معه، فذكرته قائلة له: ﴿أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ﴾، وهو استفهام استنكاري: لماذا تسكت عليهم وتتركهم؟ ووضعت أمامه المادة القانونية لمحاكمته، وذكرت التهمة أنهم أهل فساد وإفساد، وهم أهل الحق ودعوة الحق. فكانت النتيجة صدور القرار – بلا محكمة ولا قضاء لمجرد دعوى باطلة– ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾.
إن الوسط السياسي اليوم في بلاد العالم الإسلامي كله هو وسط قذر فاسد مفسد، يستميت في الدفاع عن النظام لأنه جزء منه ومنتفع بوجوده، وهم أدوات الحاكم في تضليل الشعوب وخداعهم، وهم يتوارثون مناصبهم. والشعوب تدرك فساد هذه الطبقة ودورها؛ لذا تقوم بمحاسبتها وتعليقها على المشانق أو تُرمَى في غياهب السجون بعد القضاء على الحاكم لأنها جزء منه وتأخذ حُكمه.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية الأردن
أ.نادر عيد الحكيم
